السعودية تستعد لاطلاق مشروع كبير سيغير شكل المواقع التاريخية في مكة

السعودية تستعد لاطلاق مشروع كبير سيغير شكل المواقع التاريخية في مكة
  • آخر تحديث

تشهد مكة المكرمة في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في مجال تطوير مواقعها التاريخية والإثرائية، في إطار إستراتيجية طموحة وضعتها الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

السعودية تستعد لاطلاق مشروع كبير سيغير شكل المواقع التاريخية في مكة 

وتهدف هذه الإستراتيجية إلى الجمع بين المحافظة على الإرث العريق لهذه المواقع وبين تقديمها بروح عصرية مبتكرة، بحيث تبرز قيمتها الدينية والتاريخية والحضارية، وتمنح ضيوف الرحمن تجربة متكاملة تثري الجانب الروحي والمعرفي والثقافي.

وقد عملت الهيئة على حصر (98) موقع تاريخي وإثرائي موزعة في مختلف أرجاء العاصمة المقدسة، جرى تصنيفها وفق أولويات دقيقة.

فجاءت (64) منها ضمن المرحلة الأولى للتطوير، وذلك استناد إلى معايير علمية وأكاديمية تشمل الأهمية الدينية والتاريخية، والفرادة والأصالة، بالإضافة إلى قربها من المسجد الحرام وسهولة الوصول إليها.

ولم يقتصر الأمر على الحصر والتصنيف، بل تم تقسيم هذه المواقع إلى (7) مجموعات رئيسية، بما يتيح إدارتها وتطويرها ضمن أطر متوازنة.

ويعتمد في ذلك على بناء شراكات فاعلة مع الجهات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي، لضمان استدامة التشغيل وتعزيز الحوكمة.

ترجمة الرؤية إلى مشاريع واقعية

لم تبق هذه الإستراتيجية حبر على ورق، بل تحولت سريعًا إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع.

ففي عام 2023 شهدت مكة المكرمة افتتاح "حي حراء الثقافي" عند سفح جبل النور، حيث افتتح "معرض الوحي" الذي يجمع بين عمق الرسالة الدينية وتقنيات العرض الحديثة، ليقدم تجربة استثنائية تجمع بين المعرفة الروحية والابتكار التكنولوجي. كما تم تأهيل "جبل الرحمة" عبر تطوير بنيته التحتية وإضافة خدمات نوعية لزوار عرفات.

وفي مطلع عام 2024، برزت إنجازات جديدة، من أبرزها تدشين منطقة خاصرة عين زبيدة بعد تطويرها بالشراكة مع شركة "كدانة"، حيث جرى إنشاء مسار للهايكنج بطول كيلومتر واحد، إلى جانب مرافق ترفيهية وعناصر عرض مرئي توثق التاريخ الهندسي الفريد للمكان.

وفي العام نفسه، أعيد تفعيل "مركز علوم الكون" في برج الساعة، ليقدم تجربة تفاعلية تربط بين العلوم الكونية والرؤية الإسلامية، ويمنح الزوار نافذة تجمع بين المعرفة الدينية والعلوم الحديثة.

منجزات عام 2025 وتنوع المشاريع

جاء عام 2025 محمل بمشاريع متعددة، شملت دراسات وأعمال تطوير وتفعيل لمجموعة من المواقع ذات الأهمية الكبرى، ومن أبرز هذه المشاريع:

  • تأهيل مسجد البيعة الذي يحمل رمزية دينية وتاريخية عميقة.
  • افتتاح شارع المأكولات الشعبية الذي يعكس تنوع التراث المكي وثراء المطبخ المحلي.
  • تطوير معرض عمارة الحرمين بما يقدمه من تجربة جديدة في عرض مراحل تطور الحرمين الشريفين.
  • تأسيس متحف المخطوطات الإسلامية بجامعة أم القرى الذي يحوي كنوز علمية نادرة.
  • إطلاق مبادرة الجولات الإثرائية التي تعرف الزوار بالمواقع التاريخية من خلال مسارات ميدانية منظمة.

أما الحدث الأبرز فتمثل في افتتاح المتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، وهو مشروع نوعي يقدم عروض تفاعلية متعددة اللغات تعرف بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخ الحضارة الإسلامية، عبر دمج التقنيات الرقمية بالمحتوى الديني والمعرفي.

جهود التوثيق والتطوير المستدام

لم يقتصر التطوير على البنية التحتية، بل شمل أيضا الجانب التوثيقي والمعرفي. فقد جرى توثيق نقوش وآثار منطقة العسيلة بالكامل بالتعاون مع هيئة التراث، مما يحفظ هذه الآثار للأجيال القادمة.

كما تم تعزيز تجربة زيارة جبل الرحمة عبر شراكة مع شركة "كدانة"، فضلا عن تطوير مكتبة الحرم المكي الشريف التي تحتوي على أكثر من 350 ألف كتاب ومخطوطة، لتصبح مركز عالمي للمعرفة الإسلامية.

كما أولت الهيئة اهتمام بالبيئة العامة من خلال تأهيل الحدائق والممرات، واستثمار ممشى زينب الهلالية ليكون وجهة نوعية للزوار، تعكس جمالية المكان وتاريخه.

دور القطاع الخاص في إثراء المنجزات

إلى جانب الجهود الحكومية، كان للقطاع الخاص دور بارز في دفع عجلة التطوير، فقد افتتح متحف القرآن الكريم الذي يعد وجهة روحية ومعرفية تروي رحلة نزول الوحي وتطور كتابة المصحف الشريف، من خلال مخطوطات نادرة وتجارب تفاعلية حديثة.

كما شهدت مكة المكرمة افتتاح متحف سامي كردي ومتحف البيت الأصيل ومتحف أبي بكر العمودي ومتحف حرف الأولين، لتشكل هذه الصروح متاحف متنوعة تثري التجربة الثقافية للزوار وتعرض صور متعددة من الإرث المكي والإسلامي.

رؤية مستقبلية تعزز الهوية المكية

أكد الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، المهندس صالح الرشيد، أن هذه المشاريع ليست مبادرات متفرقة، بل تمثل جزء من رؤية إستراتيجية متكاملة لتطوير وتفعيل المواقع التاريخية والإثرائية، وضمان استدامتها وتقديمها بمحتوى متعدد اللغات وتفاعلي، يربط هذه المواقع بالوجهات الثقافية الأخرى في مكة.

إن ما يجري اليوم في مكة المكرمة يعكس توجه حضاري راسخ يجمع بين الوفاء للإرث العريق والحرص على تقديمه بروح عصرية، ليظل حاضر في ذاكرة الزوار وضيوف الرحمن، وليبقى شاهد على عظمة التاريخ الإسلامي ومكانة مكة المكرمة كقلب للعالم الإسلامي ومركز للإشعاع الروحي والحضاري.